إن استخدام الأدوات هو أحد السمات المميزة للإنسان.
فنحن على مر العصور نستخدم الأدوات من أجل تعزيز قدرتنا. بدءًا من تطويع النصول الحجرية التي مكنتنا من قطع الأشياء بكفاءة أكبر من استخدام الأيدي والأسنان، وحتى التقدم المهيب الذي أحدثته الثورة الصناعية والذي نتج عنه تحسينات غير مسبوقة في جودة حياتنا – مع أن البعض قد يرى أنها على حساب أشياء أخرى.
يحمل العصر التكنولوجي الحالي في طياته أوجه تشابه عديدة مع عصر الثورة الصناعية في كونه يمثل مجددًا فترة من التطور السريع والتغير الاقتصادي. بيد أن الاختلاف الجوهري بينهما هو أن الأدوات والآلات فيما سبق كان في الأغلب يستخدمها أو يشرف على تشغيلها الإنسان، بينما تطور الابتكار الرقمي لدرجة أن الأدوات الرقمية الجديدة بدأت تصبح ذاتية التشغيل والتوجيه.
والتبعات المحتملة لذلك هي موضوع للنقاش المستمر. ينشد مناصرو التشغيل الآلي مستقبلًا باهرًا، بينما يتوقع المعارضون له وقوع هلاك كارثي. ونحن نواجه اليوم تحديات فريدة من نوعها، ولدينا فرصٌ ضخمة، وبالتحديد لأن ميزة التشغيل الذاتي الناشئة حديثًا للتكنولوجيا الرقمية تبشر بحدوث قفزة تطورية في قدرتنا نحن البشر على التقدم.
لكن ما جدواها بالنسبة لنا حتى الآن؟ قد لا تستطيعون رؤية ذلك بعد، لكن مما لا شك فيه أن البشر والروبوتات يعملون بالفعل جنبًا إلى جنب في جميع القطاعات على مستوى العالم.
ولاكتشاف تأثير ذلك على المؤسسات والعاملين بها، بدأ الفريق البحثي التابع لي بكلية جولدسمث، جامعة لندن، بالتعاون مع Automation Anywhere بدراسة تأثير التشغيل الآلي في العمل على أرض الواقع. وكانت المفاجأة أننا وجدنا أن أماكن العمل المعززة جاءت نتائجها أعلى بنسبة 33% في العوامل التي تجعل مكان العمل ذات طابع بشري أكثر. كما بحثنا أيضًا العلاقة بين أداء الأعمال وتعزيز القوى العاملة، فوجدنا أن الاستثمار في تكنولوجيا التشغيل الآلي وحدها شهد تحسنًا في أداء الأعمال، أما إذا صاحبه استثمار في القدرات البشرية، فإن تعزيز الأداء الذي تتوقعه الشركات من الاستثمار في التكنولوجيا وحدها سيرتفع بشكل فائق. تحقق المؤسسات المعززة أداءً إجماليًّا أعلى بنسبة 28%، وتتمتع بأداء مالي أعلي بنسبة 31% واحتمالية إيلاء الأولوية للأهداف الاستراتيجية لديها أكبر بنسبة 30%.
ولكن 56% فقط من قادة المؤسسات الذين شملتهم دراستنا يرون أن موظفيهم يستخدمون تقنية التشغيل الآلي للعمليات الروبوتية والذكاء الاصطناعي بكامل قدراتها. إذن، كيف يمكن للمؤسسات التجهيز لعملية التعزيز بشكل أفضل وضمان تحقيق أقصى عائد من استثمارها في تكنولوجيا التشغيل الآلي والذكاء الاصطناعي؟
استخلص بحثنا ثلاثة دروس أساسية لقادة المؤسسات:
1- ترسيخ المبادئ الأخلاقية داخل شركتك
للعديد من السنوات، كان شعار Google الشهير هو "لا تكن شريرًا". وقد أثرت تلك العبارة البسيطة على طريقة تنفيذ الشركة للعمل في جوانب مثل تصميم واجهة المستخدم وكتابة الخوارزميات التي تحدد نتائج البحث التي تبرزها.
ما المبادئ الأخلاقية التي تستند إليها إجراءات شركتك؟ ولأننا نستطيع التفريق بشكل بديهي بين الصواب والخطأ، غالبًا لا نكلف أنفسنا عناء ترسيخ القواعد الأخلاقية لشركتنا. أو إذا حدث ذلك، يكون التركيز فيه منصب على قطاعات التعاملات المباشرة والتنظيمية من الأعمال.
ولكن قد يكون الأثر الإيجابي لإرساء القواعد أكبر إذا تم تطبيقه على مستوى المؤسسة بأكملها. ابدأ بمفهوم بسيط مثل "لا تكن شريرًا". ثم، انظر للهيكل التنظيمي للشركة، ولكل قسم في مؤسستك، اكتب بضعة جمل تشرح كيف يمكن تطبيق هذا المفهوم الأخلاقي الأساسي على الموظفين والموردين والعملاء.
2- مراجعة أنظمة سير العمل
في الغالب، نكون معتادين على ما نقوم به يوميًا في العمل لدرجة أنه يصعب علينا تفصيل ما ينطوي عليه جزء بعينه من عملنا فعليًا خطوة بخطوة. فبعض أجزاء العملية تكون مألوفة لنا لدرجة أننا نأخذها بشكل مسلَّم به. ونلحظ ذلك، في بعض الأحيان، أثناء إعدادنا لبرنامج تدريبي لأحد الموظفين الجدد. ولكن في معظم الأحيان، يؤدي الجميع عملهم دون ملاحظة ذلك.
إجراء تدقيق على نظام وإجراءات سير العمل يرسخ هذه الافتراضات اللاشعورية والمهام يتم إكمالها بنجاح بشكل متكرر يوميًا بفضل الذاكرة العضلية الجمعية لشركتك؛ حيث تؤدي فهرستها لجعلها متاحة للخضوع للتحليل والتحسين. حتى قبل إجراء التعزيز، تؤدي عملية التدقيق والتفصيل والتوثيق للعمليات الأساسية والمعرفة التي تقوم عليها إلى خلق فرص عديدة للتحسين.
3- تحديد الجوانب التي يمكن تعزيزها
بعد إجراء التدقيق على أنظمة سير العمل، حدد الجوانب التي يقوم فيها الموظفون بأداء مهام متكررة والمدخلات والنواتج التي تتبع أنماطًا يمكن التنبؤ بها. وتُعتبر تلك المهام هي الأكثر قابلية لإدخال التعزيز عليها.
تعاون مع الأطراف المعنيين والخبراء الموثوقين بمن فيهم الخبراء الخارجيين، إذا كان ذلك مناسبًا، لرصد كل خطوة من هذه الإجراءات وتسجيلها وتحليلها، مع الوضع بالاعتبار إجراء التشغيل الآلي إذا كان مجديًا.
هدفك هو تحسين نظام سير العمل بطريقة تسمح بالتشغيل الآلي لهذه الخطوات باستخدام الذكاء الاصطناعي أو RPA، وبطريقة تحسن الكفاءة وتراعي أيضًا أساليب وروتين العمل للموظفين الذين سيعملون جنبًا إلى جنب مع تكنولوجيا التعزيز في نظام سير العمل هذا.
بمجرد اكتمال هذه العملية، تعاون مع شركائك التكنولوجيين لرصد خطوات سير العمل ذات الصلة وتشغيلها آليًا. كلفهم بمساعدتك في جمع بيانات حول فعالية نظام سير العمل المعزز خطوة بخطوة. ستمنح هذه البيانات بالإضافة إلى تجربة التعزيز المبدئية شركتك الخلفية والمهارات والمعرفة التي تحتاجها لتطبيق التعزيز في جميع أقسام المؤسسة بما يحقق أعلى إنتاجية.
التشغيل الذاتي الناشئ حديثًا للتكنولوجيا الرقمية يعدنا بقفزة تطورية في قدرتنا نحن البشر على التقدم، ولكن لكي نحقق أقصى استفادة من قدرته، يتعين على الشركات إضفاء مزيد من الطابع البشري على الأعمال أولاً.
كتب هذه التدوينة المستضافة كريس براور، رئيس قسم الابتكار بمعهد الدراسات الإدارية بكلية جولدسميث، جامعة لندن، ومؤسس مركز التكنولوجيا الإبداعية والاجتماعية، كما أنه أكاديمي ورائد أعمال كندي يعيش في لندن ويعمل بها.